شروق عوض (دبي)
تتفاوت نظرة الدول وتعاملها مع «النفايات البلاستيكية»، ما بين من يراها ثقلاً على كاهله، وآخر يؤمن بأنه ينبغي التعامل معها كـ«ثروة» يمكن الاستفادة منها اقتصادياً وبيئياً، إلى حد استيرادها وإعادة تدويرها. في موازاة ذلك، يعتبر «ملف النفايات» عامة الحاضر الأبرز في مساعي الإمارات نحو تحقيق الاستدامة عبر حلول «جريئة» وغير تقليدية، تماشياً مع مستهدفات الأجندة الوطنية لرؤية 2021. ورغم ما يشهده القطاع من جهود ومبادرات، تبقى تساؤلات، مفادها: هل آتت الحملات التوعوية في شأن التعامل الأمثل مع النفايات البلاستيكية أكلها؟ وإلى أي مدى يظل هذا التعامل رهن السلوك الاجتماعي؟، وما أسباب ضعف الاستثمار في قطاع إعادة التدوير رغم أنه يعد ثروة اقتصادية؟
«الاتحاد» تفتح ملف «النفايات البلاستيكية» وفرص تقديمها قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ذات أثر اجتماعي وبيئي مستدام، خاصة وأن الإمارات تعد من بين أعلى المستهلكين للبلاستيك للاستخدام الفردي، سيما وأن الإحصاءات تؤكد أن حجم استهلاك الأكياس البلاستيكية يصل إلى 11 مليار كيس سنوياً.
بداية، أكد المهندس يوسف الريسي، مدير إدارة الشؤون البلدية في وزارة التغير المناخي والبيئة، أن دولة الإمارات ستشهد مع العام 2021 تحولاً كبيراً في طريقة إدارة النفايات من خلال إطلاق وتشغيل المرافق الجديدة.
وأوضح أن الوزارة تبنت دعم مشاريع معالجة النفايات، وشكلت حلقة وصل بين السلطات المحلية والمختصين في هذه المجالات، فيما تعد حالياً، مع إحدى الشركات الإماراتية الرائدة في مجال توفير حلول مبتكرة في مجال البلاستيك، استراتيجية وطنية للإدارة المتكاملة للنفايات البلاستيكية يتم من خلالها وضع حلول مبتكرة لريادة بيئية وتنمية مستدامة في قطاع البلاستيك في الدولة.
وعن التحديات التي يبلغ عددها 11 تحدياً، أكد أن الوزارة تبذل جهوداً عدة، بالتعاون مع الجهات والمؤسسات المحلية في القطاعين الحكومي والخاص، لتحقيق هدف الدولة الساعي إلى تنفيذ منظومة متكاملة لمواجهة إشكالية تزايد النفايات البلاستيكية وخفض معدلاتها بشكل تدريجي متسارع، ورفع الوعي العام لفئات المجتمع كافة بأهمية الاستهلاك المستدام لهذا النوع من المنتجات، وتطبيق نظم الاقتصاد الدائري في التعامل مع النفايات البلاستيكية عبر معالجتها وإعادة تدويرها.
وحول أهم الجهود الخاصة بلجم التحديات التي تواجه إدارة نفايات البلاستيك وخفضها، قال الريسي: «تطبق الدولة منظومة متكاملة من الحلول لمواجهة إشكالية النفايات البلاستيكية ترتكز على وضع وتطوير تشريعات وقوانين عامة للتعامل مع هذه الإشكالية، لما لها الدور في التحرك السريع وبذل الجهود وفقاً لها».
وتابع: «كما شملت الجهود أيضاً إطلاق العديد من المشاريع والمبادرات بالتعاون مع مختلف مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص لتسريع وتيرة تحقيق مستهدفات الدولة المستقبلية، وخاصة «رؤية الإمارات 2021» لتحقيق الاستدامة على مستوى كافة القطاعات، وإطلاق مبادرات مجتمعية توعوية خاصة بمخاطر زيادة النفايات البلاستيكية وما تخلفه من تحديات بيئية، والتي من دورها تعزز تحقيق الاستدامة على مستوى القطاع البيئي، وحث وتحفيز كافة مكونات المجتمع على اتخاذ إجراءات وخطوات عاجلة لخفض نسب هذه النفايات وتحقيق منظومة الإدارة المستدامة لها، ورفع الوعي العام بأساسيات الاستهلاك المستدام».
وأشار إلى أن الوزارة أطلقت العديد من المبادرات الخاصة بمواجهة إشكالية تزايد النفايات البلاستيكية، منها مبادرة خطاب النوايا التي وقعتها الوزارة مؤخراً مع ائتلاف مكون من مجموعة من مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص يعملون بموجبه على تجميع النفايات البلاستيكية من مواد التعبئة والتغليف في الدولة بهدف معالجتها وإعادة تدويرها، حيث تسعى المبادرة إلى القضاء على إشكالية التلوث بالنفايات البلاستيكية من مواد التغليف والتعبئة، وتعزيز تطبيق منظومة الاقتصادي الدائري، والإنتاج والاستهلاك المستدامين.
ونوه إلى أن المبادرة تشمل مراحل ومشاريع عدة، يأتي في مقدمتها إطلاق مشروع تجريبي في إمارة أبوظبي لقياس واختبار الآثار والبيئية الاقتصادية للاقتصاد الدائري للتعامل مع النفايات البلاستيكية من مواد التغليف والتعبئة وبناء على نتائجه سيتم الخروج بتوصيات لتسريع الوصول لحلول مستدامة للبنية التحتية الأمثل لإدارة النفايات.
وذكر أن المبادرات تتضمن مبادرة «التغلب على التلوث البلاستيكي» التي أطلقتها الوزارة بالتزامن مع اليوم العالمي للبيئة 2018، حيث استهدفت تعهد بعض مؤسسات القطاع الخاص بخفض استهلاك البلاستيك في دورة عملها كاملة في الإمارات، وحملة «معاً لحماية بيئتنا عبر استهلاك أمثل للبلاستيك» التي نفذتها الوزارة بالتزامن مع اليوم العالمي للأرض في 22 أبريل 2018.
ونوه إلى أن الحملة استهدفت توعية المؤسسات والأفراد، وتعريفهم بالآليات والسلوكيات الصحيحة الواجب اتباعها لتحقيق ترشيد وتدوير وإعادة استخدام للبلاستيك، مشيراً إلى أن الحملة ضمت مسارين.
وأوضح الريسي أن أول هذين المسارين، التنسيق والتعاون مع عدد من الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية التي تتعامل بشكل مباشر مع الطلبة والمستهلكين ومنافذ البيع لنشر التوعية الصحيحة بأشكال عدة تشمل ورش عمل ونشرات ومحاضرات، فيما استهدف الثاني رفع وعي مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عبر سلسلة من الرسائل المصورة التي تسلط الضوء على حقائق وأرقام عالمية حول الاستهلاك غير المسؤول للبلاستيك عالمياً، بالإضافة إلى العديد من حملات تنظيف البيئة البحرية والبرية من النفايات بشكل عام، وبالأخص النفايات البلاستيكية التي تمثل تهديداً قوياً لاستمرارية حياة الكائنات الحية، وتحدياً أمام ضمان استدامة التنوع البيولوجي المحلي.
حملات توعية
وعلى صعيد حملات وزارة التغير المناخي والبيئة الخاصة بالتوعية، قال: «حفزت الوزارة العديد من جهات ومؤسسات القطاع الحكومي والخاص على إطلاق حملاتهم الخاصة للتوعية بالاستهلاك المستدام للبلاستيك، والتي تم خلالها التركيز على التعريف بالآليات والسلوكيات الصحيحة الواجب على المؤسسات والأفراد اتباعها لتحقيق ترشيد وتدوير وإعادة استخدام للبلاستيك، وصاحبها تنظيم ورش عمل ونشرات ومحاضرات، لما لها من دور فعال في نشر التوعية الصحيحة، كما عملت الوزارة مع شركائها الاستراتيجيين في القطاعين الحكومي والخاص على إجراء دراسات متخصصة لتحديد أنواع وكميات المنتجات البلاستيكية التي يتم استهلاكها بهدف معرفة حجم التحديات والفرص وإيجاد حلول فاعلة للتخلص من العبوات البلاستيكية المستعملة من خلال تجميعها وإعادة تدويرها في مصانع متخصصة تستخدمها كمواد ثانوية لإعادة إنتاج مواد أخرى منها».
«مصرف البلاستيك»
قال الدكتور سيف سالم لخريباني، عضو ورئيس المكتب التنفيذي لجمعية الإمارات للرفق بالحيوان في أبوظبي: «تعد منتجات البلاستيك ذات الاستعمال الأحادي كالأكياس والأكواب والعبوات، أهم المسببات للتلوث البيئي والأكثر بلاءً على البيئة، لأنها سهلة الانتقال من مكان لآخر، وعندما تلقى القمامة في أي مكان فإن هذا يسهل وصول تلك المنتجات للحيوانات في مختلف الأماكن، حيث تخطئ كثير من الحيوانات في تناولها أو نتيجة الرياح فقد تتسبب الأكياس البلاستيكية في حجب الرؤية أو الشمس عن كثير من الحيوانات مما يتسبب في موتها».
وأضاف: «عند إلقاء النفايات البلاستيكية في البحار والأنهار والمحيطات أو بالقرب من تجمعات القمامة، فإنها تتسبب في أضرار بالغة للحيوانات البحرية التي قد تتناولها أو تختنق بها أو تحتبس بداخلها، وقد تلتف الأكياس البلاستيكية حول الشعاب المرجانية والنباتات البحرية، فتحجب عنها الشمس وتموت».
وأكد أن أهم الحلول الخاصة بخفض معدلات إنتاج النفايات البلاستيكية في الدولة، تتمثل في ضرورة قيام الجهات الرسمية بتثقيف المستهلك بأضرار التلوث الناجم عن استخدام الأكياس والعبوات للاستعمال المرة الواحدة، وضرورة وضع ضريبة على الأكياس البلاستيكية للحد من استعمالها، على أن يعود جزء من مبلغ الضريبة لريع برامج الطاقة المستدامة وتنظيف البيئة وندوات عن طريق وزارة التغيير المناخي والبيئة وغيرها من الأنشطة، بالإضافة إلى تشجيع المستهلك على استعمال عبوات وأكياس مصنوعة من الورق المقوى أو القماش أو سلال قابلة للاستعمال المتكرر بالمدى الطويل لما لهذه المنتجات الدور الأبرز على المحافظة على البيئة المحلية.
وذكر سيف لخريباني، بأنه ضمن أبرز الممارسات العالمية «مصرف البلاستيك»، والذي يشتري النفايات البلاستيكية من الناس، بسعر أعلى من السعر السائد في السوق، ويبيع جامعو البلاستيك لهذه المؤسسة النفايات البلاستيكية مقابل المال أو نظير سلع مادية (مثل الوقود أو الأفران) أو خدمات، مثل دفع مصاريف المدارس، ويحفز هذا المشروع الناس على جمع النفايات البلاستيكية قبل أن تدخل المجاري المائية، وفي الوقت نفسه يحارب الفقر، ويوفر دخلاً للفقراء، ويساعد في تنظيف الشوارع ويقلص من حجم المخلفات التي يكون مآلها المحيطات في المعتاد.
وأضاف: يهدف «مصرف البلاستيك» أيضاً إلى رفع قيمة النفايات البلاستيكية حتى يمتنع الناس عن إلقائها في المحيطات ومكبات النفايات، وذلك بتحويلها إلى سلعة يتاجر بها الناس للحصول على المال، ثم تبيع المؤسسة النفايات البلاستيكية إلى شركات بثمن أعلى من أسعار شراء البلاستيك في الأسواق بنحو ثلاثة أمثال، وتوجد فروع لهذه المؤسسة في الوقت الحالي في هايتي والبرازيل والفلبين، وتعتزم تدشين فروع أخرى في جنوب أفريقيا والهند وبنما والفاتيكان.
مصانع إعادة التدوير
تتوافر العديد من المصانع المتخصصة في إعادة التدوير، ومنها على سبيل المثال شركة بيئة، التي أعلنت عن نجاحها في زيادة معدلات إعادة التدوير في الشارقة نتيجة تسهيل عملية فرز المواد القابلة لإعادة التدوير عن النفايات العامة، سواءً عن طريق حاويات إعادة التدوير السكنية الجديدة، أو الحاويات الثلاثية، أو حاويات المكاتب الزرقاء، أو مخازن إعادة التدوير للقطع الكبيرة، أو حاويات إعادة التدوير في المدارس، إلى جانب آلات إيداع المواد القابلة لإعادة التدوير التي تستقبل العبوات البلاستيكية، وفقاً لما قاله المهندس يوسف الريسي، مدير إدارة الشؤون البلدية في وزارة التغير المناخي والبيئة.
وحول تأثير نفايات العبوات البلاستيكية الخاصة بالمياه المعدنية على البيئة والصحة العامة، ذكر بأنه كان في السابق يتم طمر نفايات العبوات البلاستيكية في المطامر ومدافن النفايات، ومع مرور السنوات تتحلل جزيئاتها لتختلط مع النفايات الأخرى المدفونة لتشكل عصارة سائلة قد تتسرب إلى باطن الأرض (حسب الطبيعة الجغرافية للأرض)، مما قد يشكل خطراً على المياه الجوفية، ولكن في الوقت الحالي أصبح يتم جمع هذه النفايات من مصادرها أو حتى من المكبات ليتم إعادة استخدامها كونها أصبحت مورداً اقتصادياً هاماً، لافتاً إلى أن البلديات ودوائر التنمية الاقتصادية الموزعة في أرجاء الدولة تعد الجهات المختصة بفرض شروط معينة لترخيص الشركات العاملة في مجال المياه المعدنية والعبوات الخاصة بتعبئتها، لما لها الدور الأبرز في تقليل نسب مخاطر البلاستيك.
بدائل آمنة
ذكر مدير إدارة الشؤون البلدية في وزارة التغير المناخي والبيئة، أنه ضمن الدور الذي تلعبه الوزارة بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين لخفض نسب استهلاك بعض المنتجات البلاستيكية، مثل الأكياس البلاستيكية، تم العمل على تحفيز الجهات المحلية المعنية ومؤسسات القطاع الخاص على طرح بدائل آمنة عوضاً عن الأدوات المصنعة من البلاستيك أمام أفراد المجتمع، وبالأخص في مراكز التسوق الكبرى كارفور، واللولو، ومحطات البيع التابعة لشركة أبوظبي الوطنية للتوزيع «أدنوك»، والمنشآت الغذائية والمطاعم ومحال بيع الوجبات السريعة والمقاهي.
هدف استراتيجي
أوضح يوسف الريسي، أن الدور الذي تلعبه الوزارة وشركاؤها الاستراتيجيون في مواجهة إشكالية النفايات البلاستيكية، يقع ضمن أهدافها الاستراتيجية لحماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتحقيق الاستدامة تسعى إلى تعريف المستهلكين من مؤسسات وأفراد بكيفية تحقيق هذا التوازن عبر رفع الوعي بالآليات الصحيحة لإعادة الاستخدام، والتدوير وترشيد الاستهلاك بشكل عام، وتعد الحملة التي تتزامن مع اليوم العالمي للأرض إحدى المبادرات التي نسعى من خلالها لتحقيق هذا الهدف.
وأشار إلى أن إدراك القيادة الرشيدة للدولة لأهمية رفع الوعي بالترشيد والاستهلاك الأمثل للموارد والسلع والمنتجات كافة ومنها البلاستيك، وإطلاقها لمبادرات عدة خلال السنوات الماضية، ساهم في تصدر الإمارات تصنيف إعادة تدوير النفايات البلاستيكية، وتسجيل للنسبة الأعلى في وعي الجمهور بكيفية إعادة التدوير وتصنيف المنتجات، ومعرفة الجمهور برموز إعادة التدوير لمنتجات البلاستيك على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب تقرير الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيمياويات 2017.