الإثنين 11 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
الأخبار العالمية

"ذا أتلانتيك": مستقبل أردوغان على المحك

"ذا أتلانتيك": مستقبل أردوغان على المحك
10 مايو 2019 01:33

دينا محمود (لندن)

أكدت مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انقلب رسمياً عبر مواقفه الأخيرة، وخاصة إلغاءه نتائج الانتخابات المحلية في إسطنبول، على كل المبادئ الديمقراطية التي تظاهر بإيمانه بها عندما وصل إلى سدة السلطة كرئيس للوزراء قبل 16 عاماً، وذلك سيراً على درب كل الحكام المستبدين في العالم، الذين يقوضون المؤسسات بمجرد توليهم الحكم عبر صناديق الاقتراع.
وقالت المجلة في تقريرٍ، إن أردوغان ينكث بذلك، وعلى نحوٍ سافر بالتعهدات التي قطعها على نفسه عندما تولى رئاسة الحكومة عام 2003 بأن «يحترم النظام الديمقراطي في البلاد، وأن يترك منصبه حال خسارته ثقة مواطنيه. لكن الحقيقة أن طابع نظام حكم هذا الرجل كان أكثر قتامة من ذلك بشدة، فرغم أن الصحف والمجلات صوّرته أولاً على أنه سياسي إصلاحي ديمقراطي، فإنه عكف على توسيع نطاق صلاحياته وسلطاته بشكل منهجي، كما أنه شن حملات تطهير قمعية ضد معارضيه».
وشددت المجلة على أن تلك الحملات شملت القيادات العليا للجيش والقطاع الحكومي المدني وحتى المؤسسات التعليمية، مشيرةً إلى أنه استغل الانقلاب الفاشل الذي وقع عام 2016 «لتشديد قبضته على البلاد عبر فصل عشرات الآلاف من موظفي الحكومة، والزج ببعض الصحفيين المرموقين في السجون».
وأكدت أن قبضة أردوغان القمعية امتدت في الآونة الأخيرة للانتخابات وعمليات الاقتراع، التي شابتها هجمات عنيفة استهدفت مرشحي المعارضة، وهو ما لم يمنع من ألا تتجاوز نسبة التأييد التي حصل عليها الرئيس التركي في الانتخابات 53% من الأصوات فحسب. وأبرزت ما أكده المراقبون الأجانب الذين تابعوا عملية الاقتراع من أنه لم يكن حراً ولا نزيهاً، قائلةً إن أردوغان سعى من خلال إجرائه للجمع ما بين «وهم وجود انتخابات تنافسية وضمان الحصول على نتائج محددة سلفاً منها في الوقت نفسه.
وأشارت المجلة إلى أن «السلطات الهائلة التي يحظى بها أردوغان في الوقت الراهن تزيد من قيمة وأهمية قدرة المعارضة - عندما توحدت صفوفها - على تحقيق سلسلة مكاسب في الانتخابات المحلية التي أُجريت في مارس الماضي»، وأسفرت عن خسارة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم السيطرة على الكثير من المدن الكبرى، وفي مقدمتها أنقرة بجانب إسطنبول، التي أجبر الرئيس التركي اللجنة العليا للانتخابات على إعادة الاقتراع فيها فيما بعد.
وأوضح التقرير أن محاولات أردوغان التحايل على آليات العملية الديمقراطية في هذا الشأن استهدفت التهرب من الإقرار بأن نتائج الانتخابات ما هي إلا تعبيرٌ عن «سخط الأتراك المتزايد حيال نظام حكمه»، مُشيراً إلى أن استغلال الرئيس التركي هيمنة نظامه على مختلف المؤسسات لإرغام الجميع على إعادة الاقتراع «يجعل من الواضح أمام الجميع - وبشكل سافر - أن تركيا لم تعد دولةً ديمقراطيةً» بأي شكل من الأشكال.
واعتبر التقرير أن أردوغان يحاكي بتحركاته هذه الانقلابات العسكرية التقليدية التي شهد القرن الماضي الكثير منها وأدت كلها إلى تقويض دعائم الديمقراطية، ولكنه يقوم بذلك دون دبابات أو أسلحة رشاشة، بل عبر الفوز في الانتخابات أولاً ثم تفكيك المؤسسات السياسية المسؤولة عن حماية النظام الديمقراطي بعد ذلك، بزعم أنه وحده القادر على تمثيل الجماهير.
وأضاف أن الرئيس التركي اختار ألا يمضي على درب المستبدين التقليديين، الذين كانوا يعكفون على تنظيم انتخابات شكلية يفوزون فيها بنسبة تصل إلى 99%، ولكنه يعمل على الانخراط في لعبة سياسية أكثر تعقيداً، يسمح في إطارها للمعارضة بالمنافسة بشكل ما في الانتخابات، لتبدو ذات مصداقية، ويحرص في الوقت ذاته على بسط سيطرته الكاملة على المؤسسات الحيوية، مثل الهيئات المسؤولة عن تنظيم الانتخابات، لضمان ألا يسفر أي اقتراع عن خروجه من السلطة.
غير أن المجلة شددت على أن ما حدث في تركيا خلال الانتخابات الأخيرة، يؤكد أنه «لم يعد من الممكن للحكومات الاستبدادية (كتلك التي يقودها أردوغان) الحفاظ على هذه المعادلة إلى الأبد»، قائلةً إن تلك الحكومات «التي محت فعلياً حرية الصحافة في بلدانها، تجازف بأن تفقد شعبيتها على نحوٍ أكبر بين مواطنيها، ما يجبرها على أن تلجأ إلى طرق أكثر وضوحاً لتزوير الانتخابات». وأشارت «ذا أتلانتيك» إلى العبارات المدوية التي أطلقها مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو الفائز برئاسة بلدية إسطنبول، حينما قال: «نحن عطشى للديمقراطية.. لا يمكن أن يقف أحد في وجه ما يريده الشعب».
لكن هذه الكلمات المُلهمة لم تمنع أردوغان من استغلال سيطرته على وسائل الإعلام لترويج «نظرية مؤامرة مجنونة مفادها بأن المعارضة زورت الانتخابات»، قبل أن يستغل هيمنته على منظومة القضاء لإلغاء نتائجها في إسطنبول، وإعادة الاقتراع خلال الشهر المقبل.
واعتبرت المجلة هذه الخطوة بمثابة «نقطة تحول مفصلية في التاريخ السياسي التركي» قائلةً إنه «بات من المستحيل الآن على أي مراقب رشيد إنكار الحقيقة المتمثلة أن الدولة التي يمتلك رئيسها سلطة إلغاء الانتخابات عندما لا تروق له نتائجها، هي دولة ديكتاتورية بلا ريب».
وقالت إن أي شخص يصر من الآن فصاعداً على وصف تركيا بأنها دولة ديمقراطيةٌ أو يتعامل مع انتخاباتها على أنها مقياس صادق للرأي العام في أراضيها «سيكون إما كاذباً أو أحمق».
وأكدت أن ما أقدم عليه أردوغان يثير كذلك تساؤلاتٍ كبيرة بشأن المستقبل الذي سيصبح بالنسبة له أكثر صعوبة، حتى وإن كان من المرجح أن يحتفظ بالسيطرة على إسطنبول على المدى القصير، وذلك في ضوء أن ما فعله سيفقده ثقة الكثيرين حتى من بين أنصاره. وخلصت إلى أن «حكمه سيقوم من الآن فصاعداً على أساسٍ أكثر هشاشة بكثير، وأنه سيواجه على الأرجح معارضة أشد تصميماً».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©