الإثنين 11 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
التعليم والمعرفة

النقوش الثمودية القديمة تشبه تغريدات "تويتر"!

النقوش الثمودية القديمة تشبه تغريدات "تويتر"!
27 ابريل 2019 02:08

إبراهيم الملا (أبوظبي)

كيف يمكن للنقوش القديمة من خلال فك شيفرتها واستيعاب معانيها ومضامينها ودلالاتها أن تفتح أبواباً وآفاقاً وإشراقات معرفية حول طبيعة الحياة في الماضي العتيق واكتشاف أحوال البشر وطقوسهم الشعائرية وطرائقهم الاجتماعية وممارساتهم الاقتصادية، والتعرّف حتى إلى سلوكياتهم اليومية ومشاعرهم المتأرجحة بين التراجيديا والكوميديا، والتي يمكن لها أن تتقاطع مع سلوكياتنا ومشاعرنا اليوم.
هذه الأسئلة وغيرها كانت محل نقاش متشعب ومثير أيضاً في المحاضرة التي أقيمت مساء أمس الأول في ركن الرسامين والفنون، ضمن البرنامج الثقافي لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والتي شارك بها الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذيب، من المملكة العربية السعودية، وقدمها الدكتور حمد بن صراي (الإمارات)، وذلك لمناقشة الكتاب الذي أصدره الذيب مؤخراً بعنوان: «الحياة الاجتماعية في منطقة حائل من خلال النقوش الثمودية»، وهو من الكتب القيمة والنادرة التي تلقي الضوء على حقبة تاريخية غابرة، كان يمكن لها أن تذهب إلى طي النسيان لولا النقوش والرسومات الثمودية المحفورة على شواهد وصخور جبال حائل وفي كهوفها ومواقعها الأثرية، وهي النقوش والرسومات التي كونت خريطة معرفية ساهم علماء الآثار الأجانب والمحليون، وكذلك الباحثون المتعمقون في الدراسات القديمة أمثال الدكتور سليمان الذيب في استجلاء أسرارها وكشف المعلومات الثرية والهائلة التي اختزنتها.
تحدث الدكتور حمد بن صراي بداية عن المنهجية التي اتبعها الدكتور سليمان في التعاطي مع النقوش الثمودية، ووصفها بأنها منهجية تهتم بقراءة روح النصوص القديمة، والسعي وراء دلالاتها، ومعانيها، انطلاقاً من طريقة الكتابة ونوعية الرسومات، والسياق الذي أدى إلى حفرها على الصخور والشواهد والحجارة وعلى جدران الكهوف، وأضاف أن هذه المنهجية تتبع أيضاً حركة الحروف الثمودية حسب الفترة الزمنية التي كتبت فيه النقوش منذ عصور ما قبل الميلاد، وحتى العصر الميلادي المبكر، ووصف ابن صراي الكتاب بأنه أشبه بالقربان الثمين المقدّم لعلم التاريخ، وأنه إضافة مهمة لكل الباحثين في مجالات علم الآثار ولكل المهتمين بمعرفة نشوء المجتمعات القديمة في شبه الجزيرة العربية.
بدوره، أشار الدكتور سليمان الذيب أن تاريخ الاستيطان في منطقة حائل بالمملكة العربية السعودية يعود إلى العصور الحجرية، وقد ساعدت بيئتها ومكوناتها الطبيعية الجاذبة وموقعها الاستراتيجي إلى خلق مجتمع منعزل فيها، ومكتف بموارده الذاتية، برغم كونها منطقة عبور للقوافل من شرق الجزيرة العربية إلى شمالها الغربي، وقال: «من الغريب أن انغلاق منطقة حائل، وعدم احتكاكها المباشر مع الحضارات المجاورة، لم يمنعها من التطور، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، إذا اعتبرنا أن الثقافة هي المحرك الأساس للوعي والأشكال التعبيرية بما تتضمنه من رسومات توثق الظواهر المحيطة وكتابات تنطق بمشاعر كتابها وتسرد يومياتهم، وتعرضها أيضاً على من سيأتي بعد مئات وآلاف السنين».
وأوضح الدكتور سليمان الذيب أن منطقة حائل تميزت برسوماتها اللافتة للنظر، وبنقوشها الرائعة التي وصل عددها حتى الآن إلى ما يزيد على خمسة آلاف نقش، وهناك نقوش أخرى غير مكتشفة وتحتاج إلى رحلات بحث وتنقيب متواصلة، وهذا يدل كما أشار على وجود فترات استقرار طويلة، حيث لم تتعرض حائل للغزوات من قبل قوى منافسة، بسبب طبيعتها القاسية جغرافيا، وبسبب موقعها المحاط بالصحراء من جهة وبالجبال من جهة أخرى.
واستطرد الدكتور الذيب قائلاً: «ما يميز النقوش الثمودية هو كثافتها واعتمادها على جمل قصيرة ومباشرة، تذهب بك مباشرة إلى المعنى ومن دون زيادات وهوامش وتكرارات وتزيينات لفظية، وبالتالي فإني أرى أن تلك النقوش شبيهة جداً بما يكتب اليوم في وسيلة التواصل المعاصرة: (تويتر) التي تفرض عدداً معيناً من الحروف حتى يعبر الكاتب عن رأيه مباشرة ومن دون إسهاب أو مبالغة في الوصف والتعبير»!
ونعت الذيب النقوش والكتابات الثمودية بأنها أقرب للنقوش الشعبية، البعيدة عن النمط الرسمي أو كتابات المراسيم، كما هي الحال في الحضارات القديمة الأخرى التي كانت الكتابة فيها حكراً على الكهنة وتلاميذهم، وكان يراعى فيها الدقة والالتزام بقواعد كتابة صارمة، على عكس الكتابات الثمودية في حائل، والتي كانت كتابات متحررة من الرقابة الاجتماعية والدينية.
وفي سؤال أثاره أحد الحضور حول علاقة النقوش الثمودية بقوم ثمود الذين ورد ذكرهم في القرآن؟، أوضح الذيب أن نقوش حائل لا علاقة لها بقوم ثمود، ولكنها كتابات حملت هذا الوصف الذي أطلقه عليها المستشرقون والآثاريون الغربيون الذين وفدوا إلى المنطقة، فصار الاصطلاح ثابتاً في مجال علم الآثار، ولأنه اعتبروا أن نقش (ها ثمد) التي عثروا عليها في ستة نقوش مختلفة بمنطقة حائل تعود إلى قوم ثمود، بينما (ها ثمد) تعني (أل التعريف)، ومن هنا كما قال الذيب حصل الخلط واللبس في تعريف ووصف نقوشات منطقة حائل.
واختتم الدكتور سليمان الذيب المحاضرة بالإشارة إلى أهمية فهم وقراءة التاريخ القديم، وضرورة الخروج من الأطر المفاهيمية السائدة التي تنظر إلى التاريخ كواقع محنط وبعيد عن حركة الحاضر وتطوراته، بينما الحقيقة كما قال هو أن التاريخ مفتاح لصناعة المستقبل، فهو ليس مجرد حكايات يتم سردها لوصف ظروف خاصة بزمن معين، بل التاريخ هو وسيلة استرشاد للأجيال المقبلة، التي عليها الاستفادة من دروس الماضي وأخطائه ودراستها بدقة حتى لا نكرر تلك الأخطاء وحتى نتعرف إلى إنجازات الإنسان القديم، وكيفية تجاوزه لظروفه الصعبة وصناعته لبيئة أفضل وأجمل لأبنائه وأحفاده.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©