محمد صلاح (رأس الخيمة)
أكد خبراء ومختصون في الشأن الاجتماعي والاقتصادي، أن أزمة فيروس «كورونا» التي يعيشها العالم حالياً والتي أدت لاستنفار معظم دول العالم لطاقاتها في مواجهة انتشار الفيروس تحمل في طياتها العديد من الجوانب الإيجابية، بعيداً عن الآثار والأضرار المترتبة على مختلف القطاعات. وأوضحوا لـ«الاتحاد»، أن الاهتمام بالعلاقات الأسرية وتعظيم دور الآباء في المتابعة والمراقبة على الأبناء ولمّ شمل الأسرة والاهتمام بكبار المواطنين والأقارب، من أهم إيجابيات هذه الأزمة التي أوقفت حركة السفر، وقيدت حركة الناس، وخلقت واقعاً جديداً للعلاقات الاجتماعية وبين مختلف الشعوب.
وقال يوسف عبيد النعيمي الخبير الاقتصادي، رئيس مجلس إدارة غرفة رأس الخيمة، عضو المجلس الوطني الاتحادي الأسبق: إن أزمة فيروس «كورونا»، كغيرها من الأزمات التي تعرض لها العالم من قبل، ستمضي على الرغم من الخسائر الفادحة على مختلف القطاعات الاقتصادية عالمياً، مشيراً إلى أن أهم الدروس المستقاة من هذه الأزمة يتمثل في هذا البطء القهري لحركة الحياة السريعة ولو فترة مؤقتة يستعيد فيها الإنسان قدراً من حياته الاجتماعية التي فقد جزءاً كبيراً منها في ظل سعيه الدؤوب وعمله المتواصل بحثاً عن المال الذي يؤمّن به حياة الأسرة، ويحقق لها رفاهيتها المطلوبة.
وأشار إلى أن هذه الحركة السريعة والتي اضطرت الزوج أو الزوجة أو كليهما للعمل ساعات طويلة والابتعاد عن المنزل، كانت لها آثارها السلبية على الأسرة وتربية الأطفال وتعليمهم، لافتاً إلى أن الظروف الحالية التي أوجدها «كورونا» هي ظروف مؤقتة، ويمكن الاستفادة منها في إعطاء مساحة أكبر من الإنسان لأسرته مهما كلفه ذلك، مع الاستفادة من تجربة العمل عن بعد التي يجري تطبيقها حالياً والتي أعادت جزءاً من التوازن الأسري المطلوب، وتعظيم دور الأبوين في المتابعة والرقابة على أبنائهم ومساعدتهم في التحصيل الدراسي المطلوب، خاصة مع تطبيق نظام التعلم عن بُعد أيضاً، وهو تعضيد لدور المدرسة والمعلمين.
علاج المشكلات
وقال جاسم محمد المكي مستشار بدائرة المحاكم في رأس الخيمة: إن الكثير من الخلافات الأسرية التي كان يتم رصدها في السابق كانت تتعلق أحياناً بغياب الزوج عن الأسرة لفترات طويلة، لدواعي العمل أو السفر أو السهر خارج المنزل، وفي ظل الظروف الحالية التي توقف فيها السفر ومنع فيها السهر وأصبح العمل عن بعد لغالبية الموظفين، فإن المستفيد الأول من هذا الوضع ستكون الأسرة بجميع أفرادها، حيث تتمثل هذه الفرصة في زيادة مساحة التفاهم والانسجام بين الزوجين والأبناء وبقية أفراد الأسرة، إلى جانب علاج الكثير من المشاكل المتعلقة بسلوكيات الأبناء وتحصيلهم الدراسي، خاصة في وجود الأب الآن بين أفراد أسرته، وهو ما كان يضعف من دوره الرقابي على الأبناء وقدرته على متابعة شؤون الأسرة، حيث كانت الأم تقوم بدور صعب في تربية ومراقبة الأبناء.
من ناحيته، أكد إبراهيم الذهلي الإعلامي والخبير في المجال السياحي، أن أزمة «كورونا» غيّرت مفهوم أن العالم قرية واحدة بعد توقف حركة السفر بين مختلف دول العالم، لكنها مع ذلك تمثل فرصة ثمينة للكثير من الناس الذين تضطرهم ظروف عملهم للسفر والابتعاد فترات طويلة عن أسرهم، مشيراً إلى أن الفرصة مؤاتية الآن للتقارب الاجتماعي والأسري، وإعادة اهتمام الآباء والأمهات بالعلاقات الاجتماعية والأسرية وتعظيم الدور الرقابي ولمّ شمل الأسر، مشيراً إلى أن الكثير من شعوب العالم ومن واقع التجارب الكثيرة في السفر تعاني ضغوط الحياة السريعة التي أثرت بدروها على الأسرة، لافتاً إلى أن الأمهات تحملن الكثير من الأعباء الأسرية في تربية الأبناء في ظل غياب الآباء عن المنزل، والمسؤولية تعود الآن مشتركة بين الاثنين لتمضي سفينة الأسرة مستقرة آمنة، لافتاً إلى أن الدروس من أزمة «كورونا» كثيرة وعلينا الاستفادة منها، والاستمرار على هذا النهج المطلوب.
توازن السلوكيات
من ناحيته، قال المواطن علي البزي الذي يمتلك خبرة كبيرة في الإصلاح الأسري: إن أزمة «كورنا» عطلت الحياة بأكملها، وأعادت التوازن للكثير من السلوكيات الإنسانية التي أرهقها وقع الحياة السريع والتنافس فيها، مشيراً إلى أن هذه الأزمة أوجدت المساحة الزمنية الكافية لجميع أفراد الأسرة الذين كان اجتماعهم في وقت واحد داخل البيت من الأمور الصعبة، لافتاً إلى أن تقييد السفر والحركة وإغلاق المقاهي وتطبيق التباعد الجسدي، كلها أمور إلى جانب فوائدها المرجوة بمكافحة انتقال هذا الفيروس، فإنها تمثل علاجاً للمشاكل الأسرية كافة والتي أدت في كثير من الأحيان للتفكك الأسري والطلاق وجنوح الأبناء.
وأضاف: الإنسان اجتماعي بفطرته ومتى ما وجد الفرصة لتمتين علاقاته بمحيطه فإنه لا يتردد في ذلك، وهو ما نشاهده الآن من ظواهر إيجابية، تتمثل في اهتمام الكثيرين في ظل هذه الأزمة بعلاقتهم الاجتماعية بأقاربهم وأصدقائهم وكبار السن على وجه الخصوص الذين يجدون اهتماماً كبيراً من جميع أفراد المجتمع.