كان الوقت أصيلاً ، عندما دخل الرجال الذين يرتدون زياً عسكرياً إلى المنزل الأول، وفي داخله وجدوا ثلاثة رجال، قاموا بإطلاق رصاصات من مسدسات مزودة بكواتم للصوت عليهم. بعد ذلك، سرق هؤلاء الرجال سيارة الضحايا الـ" فان" وقادوها إلى المنزل الثاني وقتلوا من فيه. وخلال ساعة كان المسلحون قد اقتحموا أربعة منازل مقصودة بعينها وقتلوا 25 شخصاً.
وبعد أن انتهت مهمتهم، غادروا القرية سيراً على الأقدام في المساء، مختفين وسط غابات النخيل وبساتين البرتقال المنتشرة في منطقة "هور رجب" جنوب العاصمة العراقية" بغداد".
كان الكثير من ضحايا هذه المجزرة من المنتمين إلى حركة "الصحوة" المدعومة من قبل الأميركيين، والمكونة من مجموعات شبه عسكرية من العرب السُنة، كانت قد لعبت دوراً مؤثراً في التصدي لتنظيم "القاعدة في العراق"، كما كان لها إسهام رئيسي في إنجاح استراتيجية زيادة عدد القوات الأميركية المقاتلة في العراق عام 2007، والتي كانت تهدف إلى مواجهة التمرد، الذي كان قد تفاقم هناك في ذلك الوقت. ولكن الشيء الذي لفت النظر أنه كانت هناك ثلاث نساء وفتاتان من ضمن القتلى، وفقا لإفادات المقيمين في القرية، والمسؤولين الأمنيين.
ويوم الأحد الماضي، حبس سكان القرى المنعزلة الواقعة حول العاصمة بغداد أنفسهم في منازلهم، ولم يبرحوها، بعد أن انتشرت أخبار ذلك الهجوم الذي أعاد إلى الأذهان ذكريات أكثر أيام الحرب الأهلية سوداوية وشؤماً، وأثار من جديد مخاوف من أن يؤدي الشلل السياسي السائد في البلاد بسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة عراقية عقب إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى زيادة احتمالات تجدد نزيف الدم الطائفي.
وكانت الانتخابات التي عقدت في العراق الأسبوع الماضي، قد أدت إلى حالة من الاستقطاب، وذلك بعد رفض رئيس الوزراء العراقي الاعتراف بفوز كتلة "العراقية" التي يرأسها منافسه علاوي، الشيعي المذهب والعلماني التوجه، المفضل من قبل السنة العرب بأغلبية مقاعد البرلمان. وفي الوقت الراهن يعبر مسؤولو الأمن العراقيون، وضباط القوات المسلحة الأميركية، والمسؤولون الأجانب عن قلقهم من احتمال تمكن تنظيم "القاعدة" في العراق، من إعادة تأسيس نفسه مجدداً في الحزام الزراعي المحيط بالعاصمة بغداد، والتسبب في حالة من الفوضى والدمار، قبل أن يتم تشكيل الحكومة القادمة.
ويبدو أن الهجوم الذي وقع الجمعة الماضي كان يستهدف السكان السنة في الأساس، حيث قال سكان منطقة "هور رجب" إن المهاجمين الذين كانوا يرتدون زي الجيش العراقي الرسمي الجديد الذي يشبه زي الجيش الأميركي، قد وصلوا إلى القرية بعد الظهر، واستولوا على أحد البيوت المهجورة، وقال واحد منهم كان يتظاهر بأنه مترجم للسكان، وبلغة اختلطت فيها كلمات إنجليزية وعربية، إن الجنود الأميركيين في مهمة. وقال بعض الشهود إن البنادق التي كان يحملها هؤلاء الرجال كانت مزودة بأجهزة ليزرية للتسديد.
هذه المذبحة ذكّرت السكان، ببعض عمليات القتل العشوائي التي كانت تتم خلال الفترة التي سيطر فيها تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين على المنطقة المعروفة بحزام بغداد. وبالنسبة لآخرين، استدعت تلك المذبحة منظر رجال فرق الموت التابعة للمليشيات الشيعية، وهم يحطمون أبواب البيوت ويسحبون الرجال السنة خلال الفترة التي اشتد فيها وطيس القتال الطائفي.
يستعيد "هادي حامد عباس" أحد المقيمين في هور رجب ساعات المذبحة الرهيبة فيقول:"الجميع هنا يشعرون بالرعب... فنحن لا نعرف ما الذي يمكن أن يحدث أثناء الليل، ولذلك سنحكم إغلاق بيوتنا علينا، ونظل بداخلها فليس لنا من حامٍ إلا الله". ويضيف"عباس": أنا في الحقيقة في حالة ضياع، ولا أدري لمن أوجه أصبع الاتهام". ويقول المراقبون إن أحداث القتل هذه تقدم مثالًا مخيفا على الرعب، الذي كان قد حل على هذه المنطقة الزراعية الخصبة التي تحيط بالأطراف الغربية للعاصمة العراقية.
ولم يتم تحرير تلك المنطقة من أوكار عناصر"تنظيم القاعدة في العراق"، إلا من خلال حملة شاملة شهدت معارك ضارية، خاضتها جماعات الصحوة والقوات الأميركية عامي 2007، و2008 ضد التنظيم. ولكن الوعود التي قدمتها السلطات العراقية، بإدماج مقاتلي الصحوة -ومعظمهم كانوا من المتمردين السابقين- ضمن قوات الأمن، تبخرت في الهواء عندما تم تسليم العملية برمتها إلى الحكومة العراقية في أواخر العام 2008 مما دعا معظم هؤلاء المقاتلين إلى الالتحاق بوزارات مدنية.
وبعد قيام القوات العراقية بإلقاء القبض على بعض شيوخ القبائل وقادة الصحوة الكبار كان من الطبيعي أن تزداد مخاوف السكان، خصوصا وأن ثقتهم بالحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة تكاد تكون معدومة. وفي الوقت الراهن، وعقب التطورات الأخيرة، بات السكان السنة في المناطق الزراعية يعتقدون أنهم قد أصبحوا تحت رحمة تنظيم"القاعدة في العراق"،
وكان الضباط الأميركيون قد تلقوا بلاغات بأن "القاعدة" تعرض "الصفح" على مقاتلي الصحوة السابقين، مقابل أن يعمل هؤلاء على توفير ملاذ آمن لرجالها في مناطقهم. وقال ضابط أميركي: "الوضع الحالي يوفر فرصة جيدة لعودة رجال القاعدة...".
هذا الرأي يؤيده "مصطفى كمال شبيب"، الذي كان ذات يوم قائداً لكافة قوات الصحوة في منطقة الدورة، والذي يرى هو أيضاً أن القاعدة في العراق تستفيد من الوضع الحالي، وخصوصاً بعد أن قامت الحكومة العراقية بتفكيك برنامج الصحوة، وتسريح رجاله، الذين كانوا يحمون القرى قبل الانتخابات الأخيرة، مما جعل السكان يشعرون بالعجز، وجعله هو شخصياً غير قادر على حماية نفسه إلا بالكاد وعاجزا بالتالي عن تقديم يد المساعدة من أجل توفير الحماية لسكان المنطقة كما كان يفعل في السابق.
نيد باركر وقيصر أحمد
بغداد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«إم.سي.تي إنترناشيونال»