فاطمة عطفة (أبوظبي)
في سن الثامنة حصلت على أول عمل في البيوت، وهو الأول ضمن سلسلة طويلة... أود أن أقول إن علاقتي بالأدب بدأت في مطابخ الأغنياء. هكذا تتكلم كونسيساو إيفاريستو عن طفولتها، معتزة بماضيها، متخطية المحن والصعوبات التي تواجهها فتاة فقيرة مثلها ولدت في الفافيلا، مدن الصفيح البرازيلية. ومن تلك الذاكرة المنيرة، استطاعت كونسيساو أن تكتب روايتها «أزقة الذاكرة» التي تمت مناقشتها، أول أمس، في صالون الملتقى عبر الإنترنت «أونلاين».
أجمعت الآراء على روعة هذا العمل الروائي المتميز الذي يعبر عن كفاح «العبيد» والفقراء وكيف يواجهون أحوالهم اليائسة بالمحبة والتعاون، كما تؤكد على تعلق الإنسان بأرضه، وكأن المكان هو الجسد لروح ساكنه ولأرواح جميع من فيه. أشارت أسماء المطوع إلى أهمية العنوان: «أزقة الذاكرة» حيث عادت الروائية، بعد أن استكملت دراستها في الجامعة، إلى المكان ورأت ما جرى عليه، وسردت كثيرا من الأحداث الفردية والاجتماعية الباقية في الذاكرة. وهذا يشير إلى أن الإنسان مهما تغير، لا يمكن أن ينسى ما تغلغل في نفسه وترسخ في ذاكرته، وخاصة أن الألم من الصعب أن ينسى.
ولفتتت المطوع إلى قدرة الروائية في السرد بحيث استطاعت أن تجعل القارئ يشعر معها بكمية الآلام والأحزان التي عاناها أولئك الفقراء، مؤكدة أن العمل يشبه قصص الحكواتي، وطريقة السرد اليومي التي تعلمتها من جدتها، كما أنه يظهر أهمية القراءة والكتابة، حيث كان الكتاب مفتاح الوعي بالنسبة لها.
ومن كندا شاركت غادة تحسين في النقاش مؤكدة على إعجابها بالرواية وقالت: كأن الكتابة كانت قدر الكاتبة لتكتب ما عاشته مع أهل الفافيلا، وألمحت إلى أنه يعكس ذاكرتها الفوتوغرافية، وقد ذكرت الكاتبة أكثر من مرة «البانزو» ومعناه الحنين، وهي تعني أن ارتباط الإنسان بالأرض يكون أكثر قوة لما يترك شخصا عزيزا عليه مدفونا فيها.
ومن جانبها أوضحت موزة الهاملي أن أبطال الرواية يعيشون على هامش الحياة، وأنها تكتب بحب وتقدير عن رجال ونساء وأطفال تراكموا في داخلها، كما كانت تتراكم أكواخ الفافيلا، وهي تشعر بالامتنان لهم لأنهم كانوا جزءا من حياتها وكونوا شخصيتها. منوهة إلى أن الكاتبة استطاعت أن تجعل القارئ يعيش معها داخل تلك الأحداث ويحب الشخصيات التي مرت خلال السرد الروائي الجميل.
وختمت مع قول الكاتبة: الفافيلا ليست هي الجنة بل أقرب إلى الجحيم، ولكن لا أحد يريد الخروج منها.
وبدورها قالت المهندسة شهلاء خلفان إنها رأت هذه العشوائيات التي كتبت عنها الراوية في البرازيل والأرجنتين والأكوادور وفي مصر والمغرب ودول أخرى، ويبدو أن الكاتبة تمتاز بذاكرة قوية لتكتب رحلتها الطويلة هذه، والكتاب يبين مدى ارتباطها بالمكان الذي عاشت فيه أصعب اللحظات، ولما رجعت له وجدت فيه تمثالاً كتب عليه: «تفاءل»، وتساءلت كيف جاء التفاؤل وقد أقيم التمثال على أنقاض الناس وأكواخهم التي أقيمت عليها بيوت الأغنياء؟