شروق عوض (دبي)
بدأت وزارة التغير المناخي والبيئة تشكيل فريق عمل، يتكون أعضاؤه من كافة إداراتها والسلطات المختصة في إمارات الدولة، لتنفيذ مشروع رصد أعداد أشجار «الغاف» وأماكن تواجدها في الدولة وتحديد المناطق المستهدفة لزراعتها، على أن يتم إرفاق النتائج مستقبلاً ضمن الموقع الإلكتروني الخاص بمبادرة «غراس» التي أطلقتها الوزارة نهاية فبراير الماضي، وذلك استناداً لاستراتيجيتها الخاصة بالحفاظ على التنوع البيولوجي وضمان استدامة الموارد الطبيعية للبيئة، وتنفيذاً لأهداف قرار مجلس الوزراء رقم (18) لسنة 2018 بشأن زراعة النباتات المحلية والمحافظة على الطبيعة.
وتتسم الحياة النباتية في الإمارات بغزارة تنوعها وكثافتها وتعدد مواقع انتشارها، فيما تمتاز النباتات بشكلها الجمالي وفائدتها الطبية، وتواؤمها مع ظروف البيئة من حيث حرارة الجو وملوحة المياه وقدرتها على تحمل الجفاف، ولهذا أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مبادرة خاصة بشأنها تحمل عنوان «غراس»، والتي تعنى بتقديم معلومات مفصلة عن كافة النباتات المحلية في الإمارات، ومن الأنواع التي تسعى الوزارة مستقبلاً لطرح معلومات خاصة بأعدادها وأماكن تواجدها أشجار «الغاف» التي حظيت باهتمام وطني كبير، كونها تعد رمزاً وطنياً وإيقاعاً تراثياً بطعم الوفاء والتسامح، لما لها من ارتباط والتزام أخلاقي وثقافي من جيل الآباء والأجداد، حيث أثمرت الجهود التي بذلها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من أجل خلق واقع بيئي مشرق، بحيث أصبحت دولة الإمارات مثالاً يحتذى به في التحدي والتصميم، لتحقيق الإنجازات العملاقة والاستراتيجية في شتى مناحي الحياة.
وحول الخصائص والسمات العلمية التي تتمتع بها «الغاف»، أكدت هبة الشحي، مدير إدارة التنوع البيولوجي بالوكالة في وزارة التغير المناخي والبيئة، أن شجرة «الغاف» تعد واحدة من أكثر الأشجار البرية تحملاً لدرجات الحرارة والجفاف الشديد، والتي تنمو في دولة الإمارات بكثرة مع أشجار القرط والنيم والسدر، كما تتحمل الملوحة العالية وتقلبات الجو والرياح وهي ملائمة للزراعة في التربة الرملية، حيث تتعمق جذورها في التربة لمسافات بعيدة وقد يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار، إضافة إلى أنها لا تستهلك الكثير من المياه، لافتة إلى تميز أشجار «الغاف» بأزهار صفراء وأوراق ريشية مركبة، وسهولة التكاثر وسرعة النمو والتكيف مع الأجواء البيئية المحيطة بها، حيث تتألف من مجموعة من الجذور العميقة في الغالب والسطحية أحياناً وتعمل على امتصاص الرطوبة الأرضية أينما توافرت، فالجذور السطحية الكثيفة تنتشر على سطح التربة لتستفيد من مياه الأمطار التي تسقط بسرعة ولفترات قصيرة، أما الجذور العميقة في باطن الأرض فهي تبحث عن طبقة المياه الجوفية ولمسافات بعيدة.
وذكرت، أن ثمرة شجرة الغاف تبدو قرنية وسميكة ويصل عددها إلى 12 قرناً كما تختلف القرون بأشكالها وأطوالها فتكون رفيعة أو مفلطحة أو منحنية، وتحتوي هذه القرون الثمارية على البذور المحاطة بمواد سكرية صفراء جافة وتصل نسبتها إلى 50% من الوزن الجاف للقرن، وتسقط قرون الثمار مرتين في السنة الواحدة، وهي لا تتفتح بسبب الجفاف كغيرها من أنواع الثمار والبقوليات، بحيث يمكن جمع البذور واستخراجها من القرون بسهولة دون ضياع أي منها.
مسميات عدة
وعن مسميات أشجار «الغاف» تبعاً لمراحلها العمرية، قالت هبة الشحي: تحمل شجرة الغاف العديد من الأسماء وذلك حسب عمرها، فتسمى «الحضيب» في صغرها، وعندما تكبر ويكبر عودها يطلق عليها «نشوة» وفي هذه المرحلة لا يتم تقطيعها لأن موسم التقطيع يكون في نوفمبر أو ديسمبر حتى نهاية يناير، ثم تسمى «عود» كما تسمى بـ«الغاف»، أما الغصن الذي يقطع فكان يطلق عليه قديماً «ركبة» وينمو مكانه بعد مدة عشرة أغصان «ركب»، وإذا تم قطع الأغصان أو الركب خلال الشهور الثلاثة المحددة تبدأ تزهر ويطلق على هذه الزهور «ناظر الغاف» وتميل ألوان الأزهار إلى الاصفرار المخضر، وإذا تم قطع الأغصان أو «الركب» بعد أو قبل الفترة المخصصة للقطع تذبل الشجرة، وقد يستغرق نموها بعد ذلك فترة طويلة أو تتعرض للموت في بعض الحالات النادرة، ولشجرة الغاف جذع مستقيم يبدأ بالتفرع لبضعة أمتار فقط من الأرض وفروعها العلوية مرنة طويلة ومتدلية، أما لحاؤها المائل لونه للبني الرمادي فإنه عادة ما يبدو مشققاً أو متصدعاً وأزهارها الصفراء تتفتّح في أواخر الربيع وبداية الصيف لتتطور إلى «قرنات» بأشكال أسطوانية ومقوسة.
فوائد بيئية
وأضافت مدير إدارة التنوع البيولوجي بالوكالة في وزارة التغير المناخي والبيئة: لأشجار «الغاف» فوائد بيئية منها تقليل الانبعاثات الكربونية من خلال امتصاصها لثاني أكسيد الكربون، وبذلك تساعد في تقليل آثار التغير المناخي، كما تتميز بقدرتها على البقاء في الظروف البيئية الصعبة، بحيث يمكنها تحمل الجفاف وامتصاص المياه من عمق 30 متراً تحت سطح الأرض، بالإضافة إلى دورها في تثبيت الكثبان الرملية المتحركة، وإقامة مصدات للرياح مع أحزمة الوقاية الخضراء، كما استخدمت لتشجير الشوارع والطرق والمتنزهات العامة لتزيينها وإضفاء سمة جمالية راقية عليها، وتعتبر أزهار الغاف وثمارها وأوراقها وأغصانها ولحاؤها وجذورها موارد وموائل لتشكيلة من النباتات والحيوانات المستوطنة مثل البومة النسرية الصحراوية والغداف البني الرقبة والدوري والصقر الطويل القائمتين، وهذا يجعلها من الأساسيات التي تعتمد عليها سائر الأنواع، حيث إنها تؤدي دوراً مكملاً للسلسلة الغذائية في النظام الإيكولوجي.