شروق عوض (دبي)
تهتم دولة الإمارات بتنمية القطاع الزراعي المحلي، كأحد أهم السبل اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي واستدامته، ويأتي بالتوازي مع دور وزارة الأمن الغذائي، جهود وزارة التغير المناخي والبيئة، كونها أكثر الجهات المعنية ضمن خططها الاستراتيجية في تنمية هذا القطاع عبر اتصالها المباشر بالمزارعين والزراعة، حيث تلعب الوزارة أدواراً عدة، خاصة في تنمية قطاع الزراعة المحلية، وتقوم بشكل سنوي بإجراء دراسات عدة تحدد فيها احتياجات ومستلزمات المزارعين، وأنواع وكميات المواد الضرورية التي يحتاجون إليها خلال الموسم الزراعي، ووضع المواصفات الفنية لها، بما يتوافق مع التشريعات المقررة، والمواصفات الفنية العالية، لاستخدامها بفاعلية، كما عملت الوزارة على خطة متكاملة لتنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم (31) لسنة 2018 بشأن الزراعة المجتمعية المستدامة، فضلاً عن العمل على توفير دليل إرشادي يتضمن المحاصيل التي تصلح لتلك الزراعة، والعمليات المطلوب تنفيذها للحصول على أفضل إنتاجية، وسد جزء من احتياجات الأسر اليومية من تلك المنتجات، وزيادة الرقعة الخضراء، ونشر ثقافة الزراعة وإنتاج الغذاء، لإنشاء جيل واعٍ يسهم في المحافظة على التنمية الزراعية المستدامة.
ومن الحلول التي اتبعتها وزارة التغير المناخي والبيئة لتقليص أرقام الاستيراد المرتبطة بالمواد الغذائية والتي تصل إلى 90%، والمشاكل المرتبطة بندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة وتحقيق التنوع والأمن الغذائي، والعمل على تشجيع الشركات والمزارعين على اتباع أنماط حديثة من الزراعة منها الرأسية أو العمودية وهي نوع من الزراعة تنمو فيها المحاصيل على وحدات معلقة في منشآت داخلية يتم التحكم بمناخها آلياً، حيث خصصت وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات 12 مزرعة عمودية لإحدى الشركات الرائدة في المجال، وهو حل يعد ناجعاً وسط توقعات بنمو قطاع الاستثمارات الضخمة في مجال الزراعة الرأسية أو العمودية في منطقة الخليج عموماً ليصل إلى 1.21 مليار دولار بحلول عام 2021 وبمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 26.4%.
تحقيق التنوع
وحول مساهمة المنتجات الزراعية المحلية في تحقيق التنوع والأمن الغذائي، وأهم بنود خطة وزارة التغير المناخي والبيئة الخاصة بالإنتاج الزراعي في الدولة ودورها في تحقيق التنوع الغذائي، كونها الجهة المختصة بالقطاع الزراعي المحلي والعاملين فيه وغيرها من الأدوار، قال المهندس سيف الشرع، وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة المساعد لقطاع المجتمعات المستدامة، والقائم بأعمال وكيل الوزارة المساعد لقطاع التنوع الغذائي: «إن الوزارة تولي قطاع الإنتاج الزراعي المحلي -النباتي والحيواني والسمكي- أهمية خاصة وتعمل على حمايته واستدامته لما له من أهمية اقتصادية واجتماعية وبيئية، وكذلك لدوره في تحقيق التنوع والأمن الغذائي في الدولة ومساهمته في خلق فرص عمل عديدة ضمن مراحل سلسلة الإنتاج المختلفة، ويأتي هذا الاهتمام من خلال الأهداف الاستراتيجية للوزارة والتي تضمنت هدفاً هو تعزيز التنوع الغذائي وضمان استدامته في الدولة آخذة بعين الاعتبار استدامة النظم البيئية وتنفيذ التشريعات البيئية كأهداف استراتيجية للوزارة».
وأوضح، أن الوزارة عملت خلال الفترة السابقة على إعداد سياسة الإمارات للتنوع الغذائي واستراتيجية تنفيذها والتي تهدف إلى تعزيز واستدامة الإنتاج الزراعي المحلي، حيث تم إعداد هذه السياسة بدعم فني من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) وشارك بإعدادها 50 جهة من الشركاء الاستراتيجيين من كافة القطاعات الحكومية والخاصة ومنظمات دولية ومنتجين والتي تهدف إلى تعزيز ودعم مستويات الأمن الغذائي في دولة الإمارات، وذلك من خلال اعتماد منهجية متكاملة لسلسلة القيمة.
التوجهات الاستراتيجية
وبيّـن سيف الشرع، أن هذه السياسة تقدّم التوجهات الاستراتيجية على المستوى الوطني بهدف زيادة تنويع مصادر المنتجات الغذائية وضمان استقرارها وتوافرها واستدامتها داخل الدولة، وذلك بما يشمل جميع أقسام سلسلة التوريد والاستهلاك. وتتكون الاستراتيجية من 26 سياسة تستهدف تحقيق التنوع الغذائي، من خلال التركيز على 5 محاور رئيسية لإطار عمل سياسة الإمارات للتنوع الغذائي وهي الإنتاج المحلي «المحاصيل الزراعية، المواشي، مزارع الأسماك، والمزارع المائية»، واستهلاك الغذاء «المواد الغذائية والأنظمة الغذائية، خسارة الغذاء وهدر الأطعمة»، والسلامة الغذائية، والتجارة، والاستثمار «المحلي والدولي»، بالإضافة إلى القضايا المشتركة «الاحتياطيات الاستراتيجية، التخطيط والتنسيق، إدارة البيانات والمعلومات، الأبحاث والتطوير، التغيّر المناخي».
وأكد، أن وزارة التغير المناخي والبيئة تولي من خلال الأهداف الاستراتيجية للوزارة هدفاً رئيساً هو تعزيز التنوع الغذائي وضمان استدامته في الدولة اهتماماً كبيراً، ويتم التركيز في هذا الهدف على عدد من القطاعات أهمها قطاع الإنتاج الزراعي المحلي والذي تعمل الوزارة على حمايته واستدامته لما له من أهمية اقتصادية واجتماعية وبيئية، وكذلك لدوره في تحقيق التنوع والأمن الغذائي في الدولة ومساهمته في خلق فرص عمل عديدة ضمن مراحل سلسلة الإنتاج المختلفة.
وفي هذا المجال يتم تقديم العديد من الخدمات بناءً على تحديد الاحتياجات والمشاكل الفنية التي تواجه المزارعين ووضع الحلول المناسبة لها، وأول الخدمات التي يتم تقديمها هي خدمات الإرشاد الزراعية المناسبة للمزارعين من حيث تجهيز التربة للزراعة واختيار المحاصيل وطرق الري المناسبة ومكافحة الآفات الزراعية، كما أن الوزارة تتبنى برنامج دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي «بذور، أسمدة، مبيدات ومواد زراعية أخرى» بنصف السعر للمساهمة في خفض التكاليف على المزارعين، وزيادة المردود المادي من بيع منتجاتهم ويشمل هذا الدعم الأسمدة العضوية، والبذور، والمحاليل المستخدمة في الزراعة المائية والأسمدة المركبة في الزراعة المحمية، والبير لايت، والمبيدات العضوية، ناهيك عن خدمات مكافحة آفات النخيل من خلال «مبادرة نخيلنا» التي تنفذها الوزارة بهدف تعزيز استدامة أشجار النخيل لخفض الإصابة بآفات النخيل وخصوصاً سوسة النخيل الحمراء إلى ما دون 1.84%.
الجانب التسويقي
وفي الجانب التسويقي، قال الشرع: عملت الوزارة على عقد عدد من مذكرات التفاهم مع عدد من منافذ البيع، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في زيادة تسويق منتجات المزارعين، ومثال على ذلك مبادرة «حصادنا» التي تم إطلاقها مع نهاية ديسمبر 2018 بهدف زيادة تسويق المنتجات الزراعية الإماراتية، ويعتبر هذا الأسلوب من أهم وسائل دعم المزارعين لضمان استمراريتهم في الزراعة، حيث يستطيع أي مزارع التواصل مباشرة مع منافذ البيع وبيع محاصيله مباشرة إلى المستهلك دون وجود وسيط يتحكم بالأسعار أو يحتكر شراء المنتجات، لافتاً إلى أن الوزارة قامت بأمر مهم وهو تعزيز الرقابة على المنتجات المستوردة من حيث مطابقتها للاشتراطات المعمول بها في الدولة والذي ساهم في تعزيز واستدامة الإنتاج المحلي في الدولة.
وحول مدى التنسيق بين وزارة التغير المناخي والبيئة كونها الجهة المعنية بالزراعة من جانب، والقطاع الخاص في مجال الزراعة من جانب آخر؟ قال: تعمل الوزارة على التنسيق مع كافة الشركاء في مجال الزراعة، خصوصاً القطاع الخاص والذي تعتبره الوزارة محركاً رئيساً وفاعلاً في القطاع الزراعي سواء كمزود لمدخلات الإنتاج أو كمسوق ومصنع للإنتاج الزراعي، حيث يتم إشراك هذا القطاع الهام في كافة الأعمال ذات العلاقة مثل تطوير التشريعات أو إطلاق مبادرات جديدة لخدمة المزارعين وكذلك تنفيذ الأبحاث أو تعزيز تسويق الإنتاج الزراعي المحلي كل حسب اختصاصه.
الإنتاج المحلي
وبسؤاله عن تكلفة الإنتاج المحلي والمبادرات التي تقوم بها الدولة للتخفيف منها، قال الشرع: «تختلف تكلفة الإنتاج وفقاً للمزرعة والمزارع ولا يمكن تحديدها برقم معين، ولكن يمكن القول، إن التكنولوجيا التي أدخلتها الوزارة من حيث نظم الري والتسميد ومكافحة الآفات الزراعية ساهمت في زيادة العائد من الإنتاج المحلي».
وحول مفهوم الحوكمة الوطنية للتنوع الزراعي، وهل هناك مجلس استشاري خاص للحوكمة الوطنية؟ أشار إلى أن مفهوم الحوكمة عالمي والذي يُعرف وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بأنه العمليات التي تفصح من خلالها الجهات الفاعلة العامة والخاصة عن مصالحها، وتضع إطاراً لقضاياها وترتب أولوياتها، وتتخذ قراراتها وتنفذها وتتابع تطبيقها، وكتطبيق لهذا المفهوم فإن الوزارة تركز على إشراك كافة المعنيين في القطاع الزراعي وكيفية تفاعل المجتمع والمؤسسات المعنية بما يضمن تطور القطاع الزراعي بشكل مستدام من خلال التركيز على أهم التحديات بصورة فعالة وترتيب الأولويات ووضع الحلول والقرارات والتشريعات والخطط والبرامج بصورة شمولية بناء على تحاليل متنوعة.
الحوكمة الوطنية
وفيما يتعلق بالحوكمة الوطنية، فقد شكلت الوزارة مجلس الإمارات للتغير المناخي والبيئة في عام 2016 ويضم ممثلين عن الجهات الحكومية والمحلية والقطاع الخاص والبلديات وتعمل الوزارة على إشراك المجلس في القرارات والمبادرات المتعلقة بأعمال الوزارة ومنها ما يتعلق بالقطاع الزراعي، بالإضافة إلى اقتراح السياسة العامة لتغير المناخ والبيئة والتنمية الخضراء والأسس العامة للخطط والمشاريع القطاعية والعامة المتعلقة بالحد من تداعيات التغير المناخي وتعزيز العمل المشترك في مجال البيئة والخدمات البلدية ذات الصلة والزراعة، مع تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص، كما تعمل الوزارة كذلك على إشراك الجهات المحلية المعنية بالقطاع الزراعي عند رسم السياسات العامة لتنمية الإنتاج الزراعي والحيواني وسلامة الغذاء.
وبسؤال الشرع عن مساهمة الخضراوات المحلية في احتياجات سوق الإمارات، أكد أن إجمالي الإنتاج الزراعي المحلي من الخضراوات يغطي حالياً نسبة تتجاوز 20% من إجمالي احتياجات السوق، وتصل النسبة في بعض المحاصيل مثل الخيار إلى 80%، مدعومة بخطط ومبادرات الوزارة لتعزيز عمل المزارعين المحليين وآليات الزراعة الحديثة وآليات التسويق المحلي والخارجي.
خطة تشغيلية
وذكر سيف الشرع، أن إجمالي المزارع في دولة الإمارات 38 ألف مزرعة تقريباً والتي تتبع أساليب زراعة متنوعة تتضمن عدة نظم إنتاج زراعية مثل الزراعة العضوية والتي تغطي مساحة تتجاوز 46 ألف دونم ونظم الزراعة من دون تربة «المائية» والتي تغطي مساحة تتجاوز 1000 دونم، ويقدر إنتاجها من الخضراوات سنوياً بحوالي 156 ألف طن، وما يزيد على 500 ألف طن وما يزيد على 500 ألف طن من المحاصيل الحقلية والأعلاف، ويقدر إنتاجها من الفاكهة بحوالي 200 ألف طن.
وأشار إلى أن الوزارة أعدت خطة تشغيلية للأعوام 2017 - 2021 تساهم في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي والتي تضمنت حزمة من البرامج والمبادرات والأنشطة لتعزيز الإنتاج الزراعي الوطني ورفع معدلات الإنتاج وسلامة الغذاء، إضافة إلى وضع أنظمة وبرامج وطنية للسلامة الغذائية وذلك من خلال تنفيذ عدد من النشاطات والبرامج.
«البادية» .. مزرعة نموذجية تعتمد على التكنولوجيا المتطورة
تعد مزارع البادية بدبي واحدة من المزارع التي دعمتها وزارتا «التغير المناخي» و«الأمن الغذائي» بهدف تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في زراعة المنتجات المحلية وبأحدث الطرق الزراعية، وهي واحدة من النماذج التي تساند الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي والتي ارتكزت على ضرورة مساهمة القطاع الخاص في الأمن الغذائي من خلال العمل على إدخال أحدث التقنيات الخاصة بالزراعة.
وقال عمر الجندي، مالك مزارع البادية في دبي، إن المزرعة تعد أول مزرعة رأسية تجارية ذات تكنولوجيا متطورة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وتنتج من مقرها في منطقة القوز والممتدة على مساحة 8.500 قدم مربع، المحاصيل الزراعية من دون مواد كيميائية ومبيدات على مدار 365 يوماً في السنة، كما تستنبت في منشأة داخلية تعتمد على وسائل تقنية متطورة تمكن المزارعين من الزراعة دون الحاجة إلى التربة وبكميات أقل من المياه بنسبة 90% مقارنة بحقول الزراعة المفتوحة، وعدم تعريض النباتات للبيئة الخارجية المشمسة باستخدام أضواء تحاكي أشعة الشمس.
وتستخدم مزرعة «البادية» الرأسية تقنية الزراعة المائية بصورة مبتكرة لإنبات ما يزيد عن 18 نوعاً من شتلات الخس والخضراوات والأوراق العشبيّة الصغيرة بأنواعها المختلفة.
وأشار الجندي إلى التكهن بزيادة الطلب العالمي على الغذاء بنسبة 50% بحلول عام 2030، مما يشكل ضغطاً على الحكومات لإيجاد حل يوفر الأمن الغذائي، وتبقى البيئة المناخية القاسية للمنطقة عائقاً رئيساً أمام القطاع الزراعي، مما يؤدي إلى الاعتماد الكبير على استيراد الأغذية، لاسيما أن دولة الإمارات تستورد حالياً أكثر من 80% من احتياجاتها الغذائية.
وحول دعم الجهات الاتحادية المعنية بالغذاء لشركات القطاع الخاص وتشجيعها على الاستثمار بالزراعة المحلية، أشار إلى أن وزارتي التغير المناخي والبيئة والأمن الغذائي، عقدتا عدة جلسات مع بعض شركات القطاع الخاص المختصة بالمنتجات الزراعية، لمعرفة العقبات التي تواجه هذه الشركات المحلية، لافتاً إلى أن وزارة الأمن الغذائي على سبيل المثال عقدت مع شركات القطاع الخاص التي تم توزيعها على 9 مجموعات منذ أغسطس الماضي عدة جلسات مرة واحدة بالأسبوع، لمعرفة العقبات وإيجاد الحلول بهدف التشجيع على الزراعة المحلية ومنتجاتها، ومن الحلول التي قدمتها الوزارة منح رخصة استيراد البذور مرة واحدة عوضاً عن عدة رخص كانت مفروضة على الشركات، مما يحفز الشركات للاستثمار بالمنتجات المحلية.
خبراء اقتصاد: إنشاء شركة تسويق قابضة تدعمها الحكومة
حرصت «الاتحاد» على استطلاع رأي مجموعة من خبراء الاقتصاد كونهم على تماس مباشر في متابعة استراتيجية الأمن الغذائي، حيث قدموا حلولاً ناجعة للمساهمة في تحقيق الأهداف المعلنة لهذه الاستراتيجية، فقد أكد رضا مسلم الزهري، المدير الشريك لشركة «تروث» للاستشارات الاقتصادية والإدارية، أن القطاع الزراعي المحلي يحتاج إلى رعاية أكبر، حيث تعد معظم الأراضي في الإمارات أراضي صحراوية غير مناسبة للمحاصيل الرئيسة مثل الأرز مع شح المياه وندرة الموارد المائية بصفة عامة، فضلاً عن ارتفاع تكلفة تحلية المياه، إلا أن استمرار الوضع كما هو يؤثر على الأمن الغذائي القومي للدولة، مشيراً إلى قيام الشركة بإعداد دراسة خاصة بالقطاع الزراعي المحلي، حيث تبين أن معدل النمو السنوي للمنتجات المحلية يبلغ نحو 5%، الأمر الذي يستلزم إلقاء أضواء شديدة على ما يحتاج إليه هذا القطاع من خدمات تعد بلاشك أحد أهم مكونات البنية التحتية لهذا القطاع، ونقصد به إيجاد شبكه توزيع شاملة ومتكاملة تخدم مخرجات هذا القطاع من منتجات زراعية، فمن المعلوم أن قيمة السلعة تتزايد عن طريق تسويقها من أماكن إنتاجها إلى أماكن استهلاكها.
ولفت إلى أن أهم نتائج الدراسة تمثلت في ضرورة الالتفات إلى حلول عدة منها التركيز على البيوت الزراعية الجاهزة، لما لها الأهمية في هذه المسألة، حيث ترتكز آلية عمل هذه البيوت على زراعة بعض أصناف الخضراوات والفاكهة من دون التربة والمياه، وإنشاء شركة تسويق قابضة تدعمها الحكومة، ويدخل في نطاق عملها أنشطة التسويق وتوزيع الأعلاف والبذور وتسويق المنتجات الزراعية «الإنتاج المحلي»، وتنقسم الى تسويق المبيدات ومقاومة الآفات الزراعية، وتسويق وبيع الأراضي الزراعية، وتدبير الأموال اللازمة لاستصلاح وتسويق الأراضي الزراعية، شريطة أن تتخذ الشركة شكل الشركات ذات المسؤولية المحدودة، وتبدأ نشاط تسويق وتوزيع البذور والأعلاف، ومن ثم تتدرج في ممارسة بقية الأنشطة عند توسعها، وتنتهي في السنة الثالثة لتتخذ شكل الشركة المساهمة الخاصة.
وأشار إلى أن القائمين على القطاع الزراعي والأمن الغذائي حاولوا إيجاد حلول لسد نقص المنتجات الزراعية المحلية والفجوة القائمة ما بينها وبين المنتجات المستوردة، من خلال تمهيد الطريق أمام الشركات الخاصة وشبه الحكومية، وذلك من خلال التوجه إلى الاستثمار بالزراعة خارج دولة الإمارات، نظراً لانخفاض تكلفة الزراعة في بعض الدول، إلا أن هذا الحل يعد حلاً مؤقتاً.
الدعم الحكومي
بدوره، أكد إبراهيم البحر، خبير اقتصادي في شؤون المستهلك وتجارة التجزئة، أن المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي بالدولة لا تقع على المستهلك الإماراتي الذي يعد همه الوحيد هو الحصول على السلعة من الأسواق المحلية، وبأسعار مناسبة، وإنما تقع على المسؤولين في الجهات الحكومية، والشركات الخاصة، إذ نلاحظ الدعم الحكومي الكبير للمزارعين في أبوظبي، وارتفاع نسبة الإقبال على شراء المنتج المحلي فقط بموسم الشتاء. وقال: إن دولة الإمارات حققت العديد من المنجزات منها زراعة صحراء دبي بالأرز، وهو أمر ليس بصعب على الدولة، حيث إنها حققت العديد من المنجزات كاستقدام الخبراء المختصين في الزراعة بأحدث الطرق والأساليب التكنولوجية من الصين لزراعة الأرز، ولذلك يجب عدم النظر إلى التكلفة، ولابد من اكتشافات جديدة حتى نحقق هذه النسبة التي تسعى إليها استراتيجية الأمن الغذائي.
ومن الحلول أيضاً، أنه يتوجب الالتفات إلى التوسع في زراعة أصناف رئيسة من المنتجات الزراعية مثل الأرز والقمح اللذين يعدان مادتين أساسيتين في الغذاء، وكذلك دعم حكومي أكثر لأصحاب المزارع والعزب وتوفير الأعلاف ومتابعتهم باستمرار، وزيادة عدد الصوامع التابعة للدولة، لما لها من دور في توفير مخزون غذائي لمدة تتراوح ما بين «6 أشهر لغاية سنة» للحبوب الرئيسة، ودعم البيوت الزجاجية بالصيف حتى تستمر الزراعة المحلية.
قضية علمية بحثية
من جهته، قال حسن الكثيري، خبير في الغذاء والمستهلك: لاشك في أن الأمن الغذائي لدولة الإمارات والدول العربية من أهم الأشياء، إذ تعد قضية علمية بحثية، الأمر الذي يحتم على المؤسسات والجامعات في دولة الإمارات لعب دور أساسي في قضية الأمن الغذائي، وذلك من خلال إجراء الأبحاث العلمية ووضع الأولويات والسلع الغذائية الرئيسة، سواء للمواطن أو المقيم، مع ضرورة مراعاة كل التوسعات، مثل الارتفاع في عدد السكان، سواء المواطن أو المقيم. وأكد الكثيري أن أهم الحلول الخاصة بالتسريع في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لأمن الغذاء هي الاستمرار في الاستثمار الزراعي في الدول المجاورة والعربية، وبناء بنية لنقل المخزون الغذائي تكفي لستة أشهر وسنة، ووجوب قيام الشركات الوطنية المستثمرة بالزراعة خارج الدولة بتقديم دراسات جدوى اقتصادية لقضية الأمن الغذائي، وتحديد المفهوم الصحيح الذي تسعى دولة الإمارات لتحقيقه، بالإضافة إلى دراسة احتياجات المواطن والمقيم وماذا يريد من السلع الأساسية، وتشجيع الاستثمار المحلي وغير المحلي، والاستفادة من تجارب الدول العربية بالأمن الغذائي، وبذل مزيد من الدراسات والأبحاث العلمية. وتابع: أعتقد أن عدم دخول الجامعات والجهات العلمية يصعّب تحقيق الأمن الغذائي، هذه قضية علمية لها علاقة بواقعك، سواء من حيث المناخ، ومن ثم وضع استراتيجية بعيدة المدى، حتى يتم تحقيق هذا الهدف، ونتمنى تحقيق الأمن الغذائي قبل الموعد المحدد للاستراتيجية، إذ تمتلك الإمارات الإمكانات العلمية والجامعات ومراكز أبحاث تستطيع تقديم الجديد في هذا المجال.
التحقق من مطابقة إرساليات المنتجات الغذائية القادمة للدولة
في مجال إجراءات الرقابة والمطابقة والالتزام بالاشتراطات المعمول بها، بهدف ضمان سلامة المنتجات الزراعية الواردة إلى الدولة بشكل عام، قال الشرع، إن الوزارة تعمل من خلال المختبرات الوطنية التابعة لها على التحقق من مطابقة إرساليات المنتجات الغذائية القادمة للدولة كافة على اختلاف أنواعها للمواصفات المطبقة حيث يتم أخذ العينات الممثلة وفحصها وفقاً لأفضل المعايير الدولية في هذا المجال، لافتاً إلى اعتماد خطة الإمارات للتنوع الغذائي التي أعدتها الوزارة بدعم فني من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) والتي شارك في إعدادها 50 جهة من الشركاء الاستراتيجيين من كافة القطاعات الحكومية والخاصة ومنظمات دولية ومنتجين والتي تهدف إلى تعزيز ودعم مستويات الأمن الغذائي في الدولة بالكامل.
موردون: لدينا بدائل لتوفير المنتجات الناقصة في الأسواق
يقوم الموردون بدور رئيس للإسهام في استراتيجية الدولة للأمن الغذائي كشريك مهم للدولة من حيث العمل على توفير المنتجات الغذائية التي يفتقدها السوق المحلي، لذلك التقت «الاتحاد» عدداً من هؤلاء الموردين لاستطلاع آرائهم ومعرفة رؤيتهم للوصول إلى سبل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
يؤكد سمير الكاشف، مهندس زراعي ومدير الإنتاج في شركة «اكساليبر» بأبوظبي والعين، أن الشركة مختصة في زراعة الخضروات العضوية المحلية، وذلك لعدة أسباب منها تلبية أذواق المستهلكين المعنيين بالخضروات العضوية والمساهمة في تزويد الأسواق المحلية بهذه المنتجات التي باتت تضاهي جودة المنتجات المستوردة، مؤكداً أن الخضروات المحلية خلال الموسم الحالي تحديداً في الشتاء تسد 100% من احتياجات السوق.
وأوضح أن معظم الشركات الموردة للخضروات العضوية للأسواق المحلية كانت في السابق تستورد من لبنان ومصر على سبيل المثال، أما الآن ومع انتشار المزارع العضوية والتقنيات الزراعية الحديثة، فقد بتنا نشعر بالاكتفاء الذاتي، لافتاً إلى ضرورة إطلاق الدولة لخطة استراتيجية خاصة بالإنتاج الزراعي المحلي، لما لها من أهمية في خدمة مساعي الدولة لتحقيق أهدافها الخاصة بالأمن الغذائي، حيث تمتلك الدولة أفضل الطرق الزراعية الحديثة، منها الزراعة المائية أو المكشوفة والبيوت المبردة.
من جانبه، قال عبدالهادي أبو سيدو، مدير عام مؤسسة أبو سيدو التجارية في دبي، مستورد خضروات وفاكهة، إن الإمارات تعمل على توفير الأمن الغذائي للدولة والدول المجاورة أيضاً، حيث تلبي الكميات التي تدخل للدولة احتياجات الأسواق ومنافذ البيع المحلية، أما الفائض فيعاد تصديره للدول الأخرى، وفي حال ظهرت مشكلة ما في أحد أصناف الخضروات والفاكهة المستوردة من خارج الدولة، فإن الموردين يبحثون عن بدائل والعمل على تزويد الأسواق به، وعلى سبيل المثال شهد صنف البطاطا في بعض الدول إحجام المزارعين عن زراعته، بسبب الخسائر التي لحقت بهم، إذ سيشهد العام 2019 زيادة في أسعار البطاطا نتيجة لذلك، الأمر الذي دفع بالموردين إلى البحث عن بدائل وفتح المجال أمام بعض الدول التي لم تصدر البطاطا إلى الدولة.
ولفت إلى أن المنتجات المحلية تتوافر في الأسواق مع فترة اعتدال درجات الحرارة وانخفاضها، حيث تتوافر الخضروات المحلية بكميات جيدة وجزء منها يتم تصديره خلال الفترة ما بين ديسمبر لغاية نهاية شهر أبريل من كل عام، وبعد ذلك بفترة تشهد الأسواق المحلية انخفاضاً بالكميات نظراً لارتفاع درجات الحرارة، التي تتسبب في انخفاض الزراعة، مؤكداً منافسة المنتجات الزراعية للدول المجاورة مثل سلطنة عمان للمنتجات المحلية، وهو أمر يعد إيجابياً في المساهمة بالأمن الغذائي لدولة الإمارات.
مزارعون يطالبون برفع أسعار المنتجات المحلية للاستمرار في الإنتاج
أكد مزارعون محليون أنه يتعين العمل على زيادة سقف دعم المزارعين، ورفع أسعار المنتجات المحلية وغيرها، حتى تستطيع الدولة رفع نسبة مساهمة المنتجات المحلية في احتياجات السوق وقدرتها على المشاركة في تحقيق الأمن الغذائي. ومن هؤلاء، قال حمد الفلاسي، مالك مزرعة في العين: «إن أي دولة مهما كانت تمتلك الموارد المؤهلة للزراعة، إلا أنها في الوقت ذاته تلجأ إلى استيراد الخضراوات من الخارج، وهو أمر يعد طبيعياً؛ نظراً لارتفاع أعداد السكان»، لافتاً إلى أن «استيراد الدولة الخضراوات والفاكهة حالة طبيعية، رغبة في توفير منتجات متنوعة للمستهلكين، وتأكيد أن تكون هذه المنتجات طازجة، إذ يصعب على المستهلك تناول خضراوات غير محافظة على عناصر الفيتامينات المفيدة لصحته».
ولفت الفلاسي إلى ضرورة التفات الجهات المعنية للقطاع الزراعي في الدولة من حيث العمل على تعزيز دور المنتجات المحلية في تحقيق الأمن الغذائي، لا أن يتم الاعتماد على المنتجات المستوردة في المقام الأول، ولن تتم هذه المسألة إلا من خلال تشجيع المزارعين المحليين على الاستمرار بالزراعة، وذلك من خلال رفع أسعار المنتجات المحلية وتقنين الاستيراد لبعض المنتجات، موضحاً أن هذا الحل يدفع بالمزارع إلى التفكير من تلقاء نفسه بأحدث الطرق الزراعية بهدف الاستمرار بالزراعة والمشاركة بمنتجاته لتنافس المنتجات المستوردة.
أما عبد الله بن عواش، مالك مزرعة في كلباء، فرأى أنه من أجل مساهمة المنتجات الزراعية المحلية في تحقيق الأمن الغذائي في دولة الإمارات، يتعين دعم المزارع المحلي بالمواد الرئيسة التي يحتاج إليها خلال الزراعة، مثل المياه غير المالحة والأسمدة المعقمة، والمتابعة المستمرة من قبل الجهات المختصة بالقطاع الزراعي.
وتابع: إن تنظيم السوق المحلي وإيلاء مسألة المنتجات المحلية أهمية قصوى عوضاً عن التركيز على المنتجات المستوردة ومهمتها في تحقيق الأمن الغذائي للدولة، يعد من الحلول؛ لما لذلك من أهمية في دعم المزارع المحلي، وتشجيعه على الاستمرار في الزراعة.