عدم الالتزام بوضع حزام الأمان بالطريقة الصحيحة يكون سبباً لفقدان الكثير من الأرواح. إلا أن عددا من قائدي السيارات لا يلتزمون به، ويعتبرون وضعه عبئا عليهم خصوصا في حالة سفرهم لمسافات طويلة. ولذلك لجأ مطورو أنظمة السلامة إلى إضافة أداة تنبيه للسائق عند تحركه بالمركبة دون ربط الحزام، متمثلة برنين أو صوت مزعج يظل يذكر السائق بأنه لم يضع الحزام. وللتخلص من هذا الرنين لجأ سائقون إلى جعل الحزام مربوطاً في جميع الحالات بوضعه على الكرسي الذي يجلسون عليه، وعند الجلوس على كرسي القيادة يكون الحزام خلف السائق عوضا عن وضعه الصحيح حول جسده لحمايته عند الحوادث، ولمواجهة هذه الظاهرة اخترع الشابان المواطن محمد بلال والتركي محمد رشيد جهازا يكشف وضعية ربط الحزام.
هذه الظاهرة السلبية المتمثلة في ربط حزام الأمان خلف السائق، والتي تنم عن استهتار بعض السائقين بحياتهم وحياة من معهم، شاهدها الدكتور إدريس علي، عميد كلية الهندسة والعلوم التطبيقية في جامعة الغرير بدبي أثناء انتقاله بسيارات الأجرة (التاكسي) عند سفره ورحلاته في أكثر من دولة. ونتيجة لاستنكاره الظاهرة فكر بأن يطرح القضية على طلبته في كلية الهندسة قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية، ودعاهم إلى التفكير بإيجاد حل لها عبر أحد مشاريع التخرج، ووقع الاختيار على الطالبين المواطن محمد بلال، والتركي محمد رشيد، لتنفيذ المهمة.
آلية العمل
يتحدث المهندس محمد بلال، الذي تخرج وزميله محمد رشيد حديثا في جامعة الغرير بدبي، عن طبيعة مشروع تخرجهما، ويقول «مشروعنا عبارة عن نظام جهاز متكامل لرصد وضعية حزام الأمان، وتنبيه من هو خارج المركبة المتحركة (شرطي المرور مثلا) بذلك، إضافة إلى تنبيه السائق، حيث يمكننا من خلال هذا النظام أن نلزم كل سائق مركبة بوضع حزام الأمان بالطريقة الصحيحة عبر تحذيره من أن أجهزة الشرطة تقوم بمراقبته، حتى ولو كان مختفيا وراء أبواب السيارة المغلقة وزجاجها المغطي باللاصق الداكن الذي يحجب الرؤية من الخارج، وبأنه سيكون معرضا للمخالفة المرورية إذا لم يلتزم باستخدام حزام الأمان أصلاً، أو حاول التحايل والغش عبر وضعه بشكل غير صحيح خلف ظهره أو الجلوس عليه بدلا من وضعه حول جسده، خصوصا لدى سائقي سيارات الأجرة والشاحنات أو الناقلات الكبيرة الذين يجبرهم عملهم على قيادة المركبات ساعات طويلة، بالإضافة إلى مساعدة رجال الشرطة على كشف حالات التلاعب والإهمال في وضع حزام الأمان. وبذلك يهدف هذا النظام إلى الإسهام في الحد من حالات الوفيات التي تحدث نتيجة الإهمال أو عدم الوعي بأهمية وضع حزام الأمان».
وحول مكونات نظام رصد حزام الأمان وآلية عمله، يقول المهندس محمد رشيد «فكرة مشروعنا بسيطة، وتقوم على نظام يتكون من جزأين رئيسيين: جزء يتعلق بالأجزاء المادية الإلكترونية والكهربائية، وجزء آخر متعلق بالبرمجة التي لا بد منها لإتمام عمل أي نظام تحكم آلي حديث. أما الأجزاء الإلكترونية فمنها ما هو داخل السيارة ومنها ما هو خارجها. الجزء الداخلي عبارة عن مجسات مربوطة بمتحكم متناهي الصغر، تقوم بتحسس وضعية حزام الأمان، وإصدار إشارات للجزء الخارجي الذي يتكون من ثلاثة مصادر للضوء موضوعة على الزجاج الخلفي للسيارة لتضيء بالأحمر أو الأصفر أو الأخضر حسب حالة وضعية الحزام. وترتبط هذه الألوان الثلاثة بثلاث حالات وهي: (1) وجود سائق على كرسي القيادة. (2) حالة السيارة (تشغيل أو إيقاف). (3) وضعية حزام الأمان. وهذا يعني أننا خرجنا من تلك المتغيرات الثلاثة بثمانية احتمالات تمت برمجة المتحكم على ضوئها ثلاثة منها تتعلق بالحالات الثلاثة المذكورة».
أجزاء الأداة
يوضح رشيد «إذا كانت السيارة مشغلة والسائق موجود على كرسي القيادة والحزام مربوط فسيضيء الضوء الأخضر، وإذا كانت السيارة مشغلة والسائق موجود والحزام غير مربوط سيضيء الضوء الأحمر وهنا من السهل على الشرطة أن تلاحظ ذلك أو أي فرد يمكنه الإبلاغ عنه، أما الضوء الأصفر فسيضيء لإحدى حالتين كلتاهما تعتبران حالات غش أو تمويه لوضعية حزام الأمان. الأولى منها أن تكون السيارة مشغلة والسائق غير موجود والحزام مربوط من الخلف، والثانية أن تكون السيارة غير مشغلة والسائق غير موجود لكن حزام الأمان مربوط من الخلف ما ينم عن نسيان السائق له عند خروجه من السيارة.. وهكذا». والأجزاء الإلكترونية الأخرى الخاصة بنظام رصد وضعية حزام الأمان تتكون من دائرة إلكترونية متكاملة بحسب محمد جمعة؛ حيث ذكر أنه قام وزميله محمد رشيد بوصل وتركيب مجموعة الأجزاء الإلكترونية الدقيقة التي يتكون منها النظام مستعينان بما تعلماه خلال دراستهما بكلية الهندسة، وقد تم تركيب هذه الأجزاء الإلكترونية ومن ثم برمجتها بلغة البرمجة الخاصة بالمتحكم الذي تم استخدامه.
ويؤكد المهندسان أن النظام الذي ابتكراه لا يزال بحاجة إلى إضافات، ومن ضمن هذه الإضافات الممكنة ربط هذا النظام بنظام آخر لدى أجهزة الشرطة ليتم التراسل بين النظامين مباشرة، فيما لو حدثت أي مخالفة من قبل السائقين ذات صلة بوضع حزام الأمان.
اختبار عملي
لاختبار المشروع في الواقع العملي تم تركيب الأجزاء الإلكترونية تحت مقود نموذج لسيارة لعبة من ذوات الدفع الرباعي، وربط أجزائها بثلاثة مفاتيح أحدها أسفل كرسي القيادة، والثاني على حزام الأمان والثالث بجانب مفتاح تشغيل السيارة، وعمل الجهاز بنجاح.
ولا شك أن مشروع جمعة ورشيد واجه بعض الصعوبات والعقبات التي حفزتهما على التفكير والبحث والتجربة من أجل التغلب عليها خصوصا أنهما يقومان بمشروع يكاد يكون غير مسبوق، وعن هذه الصعوبات يفيدان «قبل أن نبدأ بالمشروع درسنا بتعمق نظام حزام الأمان في السيارات، وسبب إطلاق صوت أو ضوء في حالة عدم وضعه، ولم يكن من الصعب علينا فهمه نظرا لما تناولناه في مساقاتنا الدراسية، لكن ذلك لم يلغي وجود صعوبات واجهناها والتغلب عليها مستعينين في ذلك بأستاذنا المشرف على المشروع وهو نفسه صاحب الفكرة الدكتور إدريس علي عميد كلية الهندسة والعلوم التطبيقية في الجامعة، ومن هذه الصعوبات برمجة المتحكم، حيث توجد أنواع مختلفة منه في الأسواق ولكل منها طريقة برمجة مختلفة عن الأخرى، ودرسنا في الجامعة نوع معين من هذا المتحكم وعندما حاولنا جلبه من السوق المحلي تعذر علينا ذلك في حينه، فقمنا باستخدام متحكم آخر ما استلزم البحث في البرمجة المناسبة له». عن الصعوبة الثانية، يقولان «كانت متعلقة بجهاز العداد الذي يقوم برصد وضعية حزام الأمان، ويعطي عدد حالات أخطاء السائق كعدم استخدام حزام الأمان أصلاً أو وضعه بالطريقة الخاطئة أو قام بما بالتحايل. وهذا الجزء (العداد) يمكن استخدامه لاحقاً لإيجاد عدد حالات المخالفات وإعداد تقرير لأجهزة الشرطة بذلك. وأثناء ربطنا لجهاز العداد بالدائرة الكهربائية لم يعمل بالشكل المطلوب، واكتشفنا لاحقا أن السبب في ذلك هو التشويش الناتج عن وضع هذا العداد بالقرب من محرك السيارة، فقمنا بإبعاد الدائرة الإلكترونية عن الموتور، وأضفنا إليه جهاز فلتر يقوم بتصفية الإشارات الكهربائية من الإشعاعات الصادرة من الموتور باتجاه المتحكم».